الاثنين، 25 أبريل 2011

عود على بدء

عودٌ على بــدء

أركب قطار المساءات المقفرة , وأدسُّ ذاتي في عربة اهترات جوانبها من عرق العابرين, لم يعد لدّي فُضلة من صبر...
 ولم تعد في جعبتي ذخيرة من مكابرة
ارتديت ملابس الستر على عجل
قطعت مسافات الوقت بخطىً من هرولة..
نفضتُ عني ما علق بي من غبار المراحل الذي ألقته على كاهلى تلال الوجع
امتشقت سيف العنفوان المر من حنجرة أكلها الصراخ
لم تعد الألفاظ تحتملني..
تعاندني مخارجها وتعاندني اللهــاة.

    قفزتُ في قطار المساءات وحدي
تحينّتُ وجود عربةٍ ملقاة في نهاية المتاح
لم أكترث كثيراً لاهتراء حوافها الصدئة فما بداخلي من صدأ يجعلها لامعة بالقياس. 
لم يكن معي سوى باقٍ من رغيف نتقاسمه كل ليلة انا وصغاري الجياع إلى
الابتسامة وإلى التربيت على الكتف بحنو حال اليتامى.
ولم يكن معي سوى إبريق مليء بالعبرات كلما أوشك على النضــوب أرسل
الوقت لي بما يعاينــهُ
                      كي يمــلأه.

ولم يكن معي سوى ثوبٌ أبيض خباته منذ البدء ليومٍ لا يجيء ..ولن..
غزلتُ خيوطهُ من صبارة التعب..
كـّورتُ زهورهُ المتوارية من قناديل الحلم..
                          وعندما استقام النسيــج..
                                   كُسِــرَتْ آلــةُ التمنـي....
كنتُ اخبئُ عيونَ الثوبِ في دولاب الغـد..
أتحسسهُ كلما أينـعَ الحلم..
       وأخفيــه كلما هجم الصقيع..
موقنة بأنه كالزيت تماماً كلمـا نام طويــلاً .. كلما تعتّق مذاقـه..
ممعنــاً في حشرجــة النخاع.
وقتها لم اتوقف سوى طويــلاً..
لم أبــرح زوايا الدهشة حينما أطل ذات مساءٍ بــاردٍ موغلاً في المباغتة
ممُعنــاً في الكــي..
كالموجـة تماماً تقاذفنــي مـدُ الأمنيـة .. وجَزْرُ التوجس..
كالموجتة تماماً تباينتُ ما بين شاطئٍ .. وشاطئ
لم يكن هناك هناك متسـعٌ للفـرار فالدربُ بانتْ تفاصيلها ..
والعواءُ يقتربْ..
            وللقافلـةِ أن تسير..
                       وللكــلاب أن تنبح..
ولي أن تكون هناك بوابات للبــدء .. او للمــوت.
هيأتُ ثوبي للانعتـاق..
              هيأتُ ثوبـي للعناق..
لقنتــهُ ما يُقــال.. وما لا يُقــالْ..
أخبرتهُ ذات ظهيرة بان آن الأوان ليترجل فارس المدى ليحلَّ طلاسم النسيج
ويفك أبجــدية الخيوط..
                         ورمــوز حجر رشيــد..
هيأتُ ثوبي للبكاء الحلو.. وللإنتحاب المباح.
كانت عيناهُ مرافـئ للنوارس تحطُ فيها... ولا تغــادر
              كانت عيناهُ بوابتيــن من زمرد تشرقان على الجنة
كانت عيناهُ تعويــذةَ القانت..
                     زادَ الظامــئ لأنهارٍ من لبنٍ .. وتمر
كلما أوغل فيها زاده الله جوعــاً .. وصدى
كـن كلما أتت به الطريق رأيـتهُ كالريحانــة تماماً .. يموجُ على جانبيه
ناثراً للطيب ..
             باعثاً للوسن.
كان كلما اتت به المواعيد ...
                   يطل شاهقاً كالأسطورة..
                                  وادعاً كالرحمة..
                                      عميقــاً كالأبــد..
                                             واثقاً كالفصــول الخمس.
كان إذا اقترب ..
تململت الأرض ..
 وإذا دنا زغردتْ الزوايا..
            وإذا حكى أرهف البحر..
أما إذا صمتَ تقفـزُ الأوردةُ على جذعِ التوّجس.
وكان كلما دعتهُ نهايات الأماسي إلى ارتداء قبعـة الرحيل..
تئنُ الأماكن..
          وتنــوحُ المسافات..
              وتنتحبُ الخُطــى ..
وتفقـد الأشياءُ قيمتها ..
                ويكتحلُ الوقتُ بســواد الفقــد.
لم يكن كالعابرين على أرصفة المدن يحتسون قهوة العبث ..
ولم يكن كالماخرين عباب القرى البعيدة السادرين في عتمةِ العــدم.
ولم يكن مزيجاً من هــذا .... وذاك.
تئنُ عربة القطار البطيء..
               موجعـةًإيـأي كالنقــرس..
تضيقُ علّي حين تنـزُ صيفـاً .. وعرقــاً
مازجة تلافيفـي في وعـاءٍ من عفن...
وأنا أتشبث بجدار العربة كي لا تُسقطني زوابع جَزْرِه.
أمامي وجهان لعملة واحدة قُــدّتْ ملامحهما من وجع ..
ويجوسُ في بؤبؤِ العيـن وجهان آخران لعملة واحدة قُــدتْ ملامحهما من حلم..
وأتأبط تحت جناحّي صندوقي المغلق على خيوط الثوب الأبيض الماخر معي
فضاء القارات السبع.
إذن العربة المكتنزة بالسائرين إلى اللاموعــد في القطار البطيء الذي يسير
على سكةٍ من شراييني في هذا المساء الموغل بالتعب تحضنني بين دفتيهـا
ولا شيء سوى باقي الرغيف..
ووجوه أطفالي ..
وهو ذاتــه ذلك الثوب الأبيض..
                               مفتــاح الحكايا كلهــا.